الاثنين، 30 مايو 2011

يا دم وصفي التل لو كنت في زجاجة


2010-02-24 فايز الفايز
حسبنا الله ونعم الوكيل ، كلما حاولنا ان نغتنم فرصة لنكتب عن الجمال المختبئ في هذا الوطن تحت وحل الظلم والفساد والمحسوبية والإقطاع وتهميش فئات من أبناء محافظات ، تداهمنا الصباحات غير المشرقة بأوحل مما سبق ، وليسامحني القارئ الذي يبحث كل يوم عن ابتسامة في صحراء البؤس والوجع ، حينما لا نجد متسعا لنطلق له النكات السمجة ليقهقه هربا من الحزن الملتصق بشرايينه ك"الكلسترول" .

من يعرف حياة الحيوان يعرف كيف يحاول ذلك الحيوان ان يخفف ألمه حينما يجرح ، فهو يلعق جراحه بلسانه محاولا أن يمنع دمه من الاختلاط بالتراب ، الحيوان مخلوق ضعيف ، لا يستطيع أن ينطق بلغة يفهمها الإنسان ، ولا يذرف الدمع ليستجدي عطف الإنسان ، ولكن ماذا عن الإنسان ، من يستجدي ، بعد أن حكمّ الله البشر بالبشر !؟.

في التاريخ ضُرب الدم مثلا في التضحيات ، وكلما حاولنا أن نبعد عن أنفسنا صفة الجبناء ، هربنا الى الدماء ، عل التاريخ ينجدنا ، فننادي دماء الشهداء الذين سطروا بدمائهم أسفار الأبطال الخالدين ، وخضبوا التراب المقدس ، بينما نحن نرقد على فرشنا كما يرقد الدجاج على بيضه ينتظر ان يفقس ، وقد لا يفقس ، خاصة ان كثير من بيض هذه الأيام غرقل و مذر .

كنا ننتظر أن تعدل الحكومة هداها الله للعدل ، قبل التعديل ، أن تعدل أجور الطبابة والمستشفيات الخاصة والتي بات المواطن يتمنى أن يموت ميتة فقسة ، طبيعية سريعة ، هو أو أحد أهله كي لا يضطروا الى الدخول لمستشفيات القطاع الخاص ، فتكون ميتة مصيبة يتبعها نهيب ونحيب بعد السطو المؤسف على جيوب الناس دون مبرر ولا رادع جرّاء الأجور الخرافية في المستشفيات الخاصة التي باتت تغلب المال على الغاية الأساسية لمهنة الطب والتداوي ، فرأينا تراجع ، لا بل هروب المرضى العرب من بلدنا نتيجة شجع بعض تجار المستشفيات والعيادات الخاصة .

ولكن بعد كل هذا جاءنا التوقيع بقلم وزير الصحة أو من ينوب عنه و الذي نحمله المسؤولية الكاملة عن قرار مجلس الحكومة بفرض مبلغ 15 دينار عن كل وحدة دم ، تتضاعف لغير المؤمنين صحيا ،... اللهم يا سامع دعاء المضطرين والباقي عندك .. !!

وزير الصحة د. نايف الفايز من أعز الناس وأقربهم لقلبي ، ولكنني كرهته فيمن كرهتهم في هذه الحكومة ، فقد جرحت أيّما جرح لذلك القرار الذي حولنا الى ضحايا ، لا بل شبه قيان نساق في سوق نخاسة ، ألهذا الحد بات الدم رخيصا ؟ ألهذا الحد أصبح للدم سعرا ؟ لا أدري إن بقي عندنا دم ؟ فهل عند غيرنا دم ؟ ثم لا أدري كيف قفز الى ذهني مشهد "هند بنت عتبة " وهي تغرس ثناياها وقواطعها في كبد حمزة بن عبدالمطلب ،، حمزة أسد الله ، هل كانت تستمتع بطعم ذاك الدم الزكي ؟ كيف تغمس الحكومة رغيفها بصحن دم المواطنين ؟

الوزير الفايز ، غير موجود في البلاد ، فهذا شهر سفر له في دول الخليج العربي ، وأكاد لولا خشيتي أن أكذب ، ان اقسم أنه لا يدري بحيثيات ما جرى ، فهو يقوم مقام وزير الخارجية ووزير العمل معاً ، في مكوكية له ما بين الرياض والمنامة وأبو ظبي في توقيع اتفاقيات لفتح باب تصدير الخبرات الطبية الأردنية لتلك الدول ، و جاء من الرياض "بخير الأخبار" وتوقيع الأحبار ووعود الأخيار ،، ولكن ماذا عما يجري في هذه الدار ؟

لعل من سبقونا بالتصاريح والتحذير والمناشدة هم أكفأ مني بطرح القضية وشرح الحال ، ولكن يقتلني السؤال : ألم تتفتق حتى الآن عبقرية الحكم الرشيد والتخطيط واستنباط الأفكار لرفد ميزانية وزارة الصحة أو الحكومة بمجملها بعيدا عن الدم ، من هذا العبقري الألمعي الإبريز الذي إنبجس من عقله هذا الرأي ، وكيف سوّلت للحكومة نفسها مشاطرة المواطن مآسيه ، وتذكير بني البشر بأن دمهم قابل للبيع ، ألا يعتبر هذا جزءا من تجارة الأعضاء البشرية ومكوناتها ، فلماذا إذا يحاكم من قاموا ببيع أعضاءهم نتيجة الفقر المدقع !؟

منذ ثلاثة أيام وأنا أصبرّ النفس علّ ابن حلال في حكومتنا العالية وما أكثرهم يعطينها مميعا للدم قبل أن تصيبني جلطة فتخسر الحكومة أحد أعداء الشعب ممن ينفسون عن البشر المضغوط كأنبوبة الغاز التي فلتت من براثن العباقرة "بشق التنفيس " ،، ولكن كما قال مئات المعلقين : لا حياة لمن تنادي ، فهم يصرّون على إطلاق القرارات وكأنها رصاص إذا خرج من فوهات بنادقهم لا يعود ، فإلى متى .

" يا دم وصفي التل لو كنت في زجاجة ، كم كان ثمنك اليوم يا ترى " ،، يا دم الحكومة ألا تتحرك لدمائنا ، أليس من العيب أن نصطف يوما نمد أيدينا لبيع دمائنا ، هل سيأتي يوم لنرى عطاء ً لإنشاء مضخات بيع الدم عند زوايا المستشفيات التي تستثمر في أوجاعنا ؟ ، الى متى نبقى نتسول ، ثم ندفع الجزية ونحن صاغرون ، من الذي يخطط ؟ ، بل من سيخيط جراحنا التي بتنا نلعقها وعيوننا تتسول مسئول يصرخ يوما باسم الشعب !

سادتي ، هل يضيركم أن تتبعوني الى احد الميادين لنتجرد من ملابسنا ونتظاهر عراة ثم نقطع أوردتنا فنخضب هذه الأرض بدماء غالية الثمن ، بخمسة عشر دينارا "يا بلاش "، ومن أجل لمسة حياء أحضروا ورقة التوت التي احتفظ بها آباؤكم لساعة ضيق ،، فلعل أبناء الدم العربي يتراجعون عن هذا القرار ، الذي سيتبعه إن لم يخب حدسي قرارات ستفسد دماءنا .

ليست هناك تعليقات: