ترويض الغضب

ترويض الغضب
تختلف ردود الأفعال بين شخص وآخر, تجد البعض حينما يتعرض لموقف مفرح تختلق وجدانه، وينفعل باكيا من شدة الفرح , أما إذا كان الموقف سالبا فإنه ينفعل بشدة ويسب ويشتم، وربما يستخدم العنف مما يفقده الوعي العقلي ويصبح كالطفل , وإذا تم تصويره فإنه لا محالة سيخجل مما أقدم عليه من الأفعال المشينة.
ويلعب العامل الوراثي دورا مهما في رفع معدل الانفعال الوجداني بين عائلة وأخرى، وحتى وإننا نجد أن هناك عائلة سميت بعائلة "محروقي" لأنهم مشهورون بسرعة الانفعال، ويتهيب أفراد العائلات الأخرى من سبهم أو الدخول معهم في مشاكل أي كان نوعها.
بينما نجد أشخاصا يربئون بأنفسهم عن إظهار مظاهر الغضب، ويقابلون السب و الشتم بكل روح طيبة، وبعضهم يصمت ويضع للمهاجم عذره، ربما كان أكبر منه سنا, أو أصغر منه سنا, ربما كان أجهل منه علما, ربما يبرأ بنفسه عن النزول من مكانته العالية لتلك المكانة الدنيا .....ألخ .


سكان المدن وسكان الأرياف:
يتمتع سكان الأرياف بحياة هادئة بسيطة في كل مناحيها، وينعمون بكل مظاهر الود والمحبة والألفة والتقارب الأهلي والقبلي؛ ولذا فإننا نجدهم أصفي مزاجا وأنقي قلوبا، ولا يتسلل الغضب لنفوسهم إلا فيما ندر.
أهل المدن أكثر عرضة للتعرض لمظاهر الغضب؛ وذلك لظروف التنافس المحموم في سبل كسب العيش, كل يحاول دفع أو إقصاء الآخر، وربما يستخدم بعض الوسائل الغير حميدة ليصل لتلك المكانة. بجانب كثرة الضغوط الاقتصادية التي تلقي بعبئها الثقيل علي كاهل الشخص, بينما يلعب الزحام الذي يتعرض له الشخص بالشوارع عبئا ثقيلا علي نفسية الأشخاص الذين يعملون بالمدينة.
الغضب الكامن و الغضب العرضي:
المواطن في العالم الثالث "الفقير" يتعرض للكثير من عوامل الغضب الكامن و المتراكم عبر السنوات، ويظل صابرا علي هذا الألم سنوات وسنوات؛ لأنه غليان ولا مناص له من التغيير, ويظهر هذا في المعاملات الرسمية، حيث تذهب للموظف وتحاول إنهاء معاملتك معه، ولكنه يماطل في عمله، ويؤخرك أياما عديدة، وإذا لم تدفع رشوة فإن معاملتك سوف تضيع في أضابير تلك المؤسسة.
يعاني مواطن العالم الثالث من كثرة الضرائب والرسوم التي يدفعها! ولا يدري لماذا وضعت! يعاني من الضياع في إبداء الرأي, ليس له كلمة ولا أحد يستمع لرأيه, إضافة إلى فرض الرأي أو الديكتاتورية التي تمارس عليه في جميع مناحي حياته, يعاني من الفاقة والعطالة والبطالة ولا يجد له عملا يقتات به، وإذا لجأ لعمل هامشي ما، قبضت عليه سلطات البلدية.

هذا هو الغضب الكامن الذي يتولد في كل يوم ويصبر المواطن ويصابر عليه، ولكنه يتراكم يوما بعد يوم, وحذار من أن ينفجر؛ فإنه سوف يؤدي لما آلت إليه الحال في تونس الخضراء.

أما الغضب العرضي فهو الغضب الذي يظهر في حينه كانفعال وقتي، وتتولد عنه مظاهر منوعة، تختلف بين شخص وآخر, وفي أغلب الأحيان ينفرط عقد الحكمة سلبا لدي الغضبان، وتفرز خلايا جسمه هرمونا يثير الأعصاب ويهيجها ويعطل عمل الدماغ.
ومن أهم مظاهره:
لا يدري ماذا يفعل "تختلط عليه الأمور". وقد يشتم بأقذع الشتائم – أو يستخدم العنف وربما يؤذي خصمه.
ربما يؤدي لقتل خصمه. أو ربما يؤدي قتل الخصم لفتنة كبري بين قبيلتين أو بين "طائفتين".

كيف نكافح مظاهر الغضب؟
القراءة و الثقافة والنهل من معينها الذي لا ينضب عاملا مهما وأساسيا لرفع معدل ردود الأفعال إيجابا, وهذا يظهر جليا في معدل معاملة "الدول الإسكندنافية" حيث متوسط درجة التعليم تصل لنحو 98% بين مواطني تلك الدول, وفي أغلب الأحيان يلجؤون لروح الفكاهة أو السخرية الغير جارحة لدرء مخاطر الغضب.
هذا إلي الجانب المهم الممثل في ممارسة الألعاب والتمارين الرياضية والتي تعمل عمل السحر في ترويض النفس البشرية علي سحب عوامل الغضب من الشخص, و يتوجب علي الرياضي ضرورة التعود علي النصر والهزيمة بجانب مسامحة الخصم إذا تعرض لعوامل الخشونة والإصابة الجسدية.
نشر روح التآلف والمودة والتعاون التي تسود روح الفريق الواحد؛ مما يجعله يعيش في أسرة تحتضنه غير أسرته التي يعيش معها. كل هذه المظاهر تتكالب وتتوحد لتعمل علي صهر مضامين الرياضي روحا سمحة، وتحقق التكامل بين الأعصاب والعضلات والدماغ.

الغضب في ديننا الإسلامي:
يعرف الغضب أنه عبارة عن نار تتأجج, فالغضب من الشيطان, نتائجه في أغلب الأحيان تؤدي إلي ما لا يحمد عقباه. وجاء في كتابنا الكريم: "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ، وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" سورة فصلت 34/35.
وبين الرسول الكريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن القوي الشديد هو من يملك أعصابه ويسيطر على نفسه عندالغضب فعن ْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَقَالَ:"لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"متفق عليه.
وأوصي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلا وصية جامعة مهمة، فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال:"لا تغضب فردد مرارا قال: "لا تغضب" رواه البخاري.
ومن الأمور المعينة على ذهاب الغضب: الاستعاذة بالله سبحانه من الشيطان الرجيم كما جاء في حديث سليمان بن صرد قال: " استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا قد أحمر وجهه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"رواه البخاري.

وبين الإسلام الثواب المترتب لمن ينجح في كظم غيظه:عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:"َمَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ "

وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغضب من الشيطان, والشيطان من النار, وإنما تطفأ النار بالماء , فإذا غضب أحدكم فليتوضأ".

ويضرب لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثلا كبيرا في كيفية الإمساك الانفعالي والترويض النفسي الإسلامي لمظاهر الغضب السلبية, ففي غزوة الخندق برز إلى مرحب وأسقطه أرضا، ثم أتي إليه ليقتله فبصق مرحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فتراجع سيدنا علي عن قتله ودار حول مرحب ثلاثا ثم قتله.
ولما سئل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنهعن السبب في ذلك قال "لقد غضبت عندما بصق مرحب ودرت ثلاثا حتى ينزل الغضب (أو يبعد) ثم أقتله في سبيل الله وليس في سبيل الغضب".


---------منقول--------